يفنّد ماجد مندور سردية النظام التي ترافق افتتاح المتحف المصري الكبير، ويرى فيها عرضًا سياسيًا يلبس ثوب الثقافة ويستند إلى ماضٍ متخيَّل يرفع شأن الدولة والجيش ويُقصي الشعب عن معناه ودوره. يوضح مندور أن الضجيج الاحتفالي لم يُعرض بوصفه إنجازًا معماريًا فحسب، بل قُدّم كبرهان على “عظمة” وطنية تُساق بلغة تعبئة قومية تعيد تدوير التاريخ القديم لخدمة سياسات الساعة الراهنة.
صناعة العظمة واستدعاء الماضي
يعرض الكاتب مشاهد الترويج التي رافقت الافتتاح، ويقارنها بموكب نقل المومياوات عام 2021، حيث هتفت قطاعات من الطبقتين الوسطى والعليا ابتهاجًا بعظمة متخيَّلة. يشرح كيف تنتشر رواية رسمية تربط الجيش الحديث بجيوش الفراعنة بزعم استمرارية تاريخية لا تنقطع، وتزعم قدم الدولة المصرية إلى حدّ يجعلها الأقدم في تاريخ البشر. ويؤكد أن هذه الأحكام تتجاهل حقائق التاريخ وتفاصيله، إذ تشكّلت الدولة والجيش بصورتهما الحديثة خلال القرن التاسع عشر، لا أكثر، لكن الدقة لا تروق للدعاية التي تفضّل الأسطورة اللامعة على الواقع المركّب.
يرسم النظام تاريخًا منزوع البشر، تاريخًا تحضر فيه الدولة والجيش والفرعون، ويُغيَّب فيه المواطن كفاعل حيّ. تكشف القراءة أن هذا التجريد يصنع “أمة” منفصلة عن الناس، ويحوّلها إلى كيان فوقي يطالب بتضحياتهم ويُسوّغ تهميشهم، حتى يغدو الجوع مقبولًا في خطاب يَعِد بالرخاء المؤجّل.
أمة بلا مواطنين
يشرح المقال كيف يقود هذا التجريد إلى مفارقات خطيرة، حيث تُفصل “المصلحة الوطنية” عن مصالح البشر الذين يُفترض أنها تمثلهم. يُعاد تعريف الوطنية بوصفها ولاءً أعمى لمشاريع عملاقة تُقدَّم كامتداد لمجد غابر، فيما تُزيَّن السلطة بصورة فرعون حديث يشيّد ويأمر ويعيد صياغة الحاضر عبر لغة التفخيم. يستشهد الكاتب بخطابات تدعو إلى تقبّل المعاناة بوصفها ثمن التقدم، ويقرأ فيها تبريرًا لإقصاء الفقراء من المجال العام وإعادة هندسة الإنسان وفق نموذج سلطوي يتغذى على احتقار الطبقات الهشة.
ويمضي التحليل إلى تفكيك الرموز، مثل تمثال ذهبي استُلهم من عصور الفراعنة ونُصب تكريمًا للرئيس في بروكسل، ليؤكد أن الهدف يتجاوز الإيماءة الرمزية إلى تكريس أسطورة الحاكم الأيقوني. يربط ذلك بآلية أشمل تجرّد الناس من تاريخهم، فتحولهم إلى كتل صامتة تدين بالامتنان لمجرّد البقاء على الهامش.
الهيمنة الثقافية والعنف الرمزي
يرى مندور أن الاحتفالات تمنح النظام تفوقًا ثقافيًا يهيمن على قطاع واسع من المجتمع، بما في ذلك بعض أطياف المعارضة، حيث يخفف الحنين إلى الماضي وطأة حاضر قاتم. لكن الأخطر أن هذا السرد يشرعن عنفًا واقعيًا ضد الفقراء باسم “المصلحة الوطنية” غير القابلة للنقاش، ويضع عقبات أمام أي أفق ديمقراطي لأن تعريف المصلحة يحتكره نخبة مرتبطة بالمؤسسة العسكرية.
ويخلص المقال إلى أن النظام ينجح في تصنيع ماضٍ متخيَّل يعيد تعريف معنى الأمة والدولة والجيش، حيث تُستبدل الجماعة الوطنية بنخبة عسكرية تُنصّب نفسها وصيًا أبديًا، بينما يُختزل المواطن إلى عبء طفولي يحتاج إلى حراسة وتوجيه. يحذّر الكاتب من ترسّخ هذه الرؤية في وعي حتى المتضررين منها، ما يهدد بتطبيع الإقصاء وتكريس هوية وطنية خاوية تتغذى على الأسطورة أكثر مما تستند إلى الإنسان الحيّ وتجربته وتاريخه.
https://dawnmena.org/egypt-a-new-museum-cannot-legitimize-a-nation-without-a-people/

